اشتباك سياسي بين 'الوطني الحر' و'المستقبل'

بعد قيام بعض الوزراء في الحكومة بزيارات إلى دمشق خلال الأسابيع القليلة الماضية، تحت عنوان التعاون التقني مع نظرائهم في سوريا، تحرّك ملفّ العلاقات اللبنانيّة ـ السورية من جديد، حيث رأى أكثر من فريق سياسي انه حان الآوان لإعادة العلاقات مع سوريا إلى سابق عهدها، في مُقابل مُجاهرة أكثر من فريق سياسي آخر على رفض أيّ نوع من التطبيع مع النظام السوري. وبعد أن كان «التيّار الوطني الحُرّ» قد حاول النأي بنفسه عن هذه المُشكلة القديمة ـ الجديدة، حيث أعلن وزير الإقتصاد رائد خوري أنّه لن يذهب إلى سوريا طالما أنّه لم يحصل على «ضوء أخضر» من الحكومة، جاء اللقاء الذي عُقد في «نيويورك» بين وزير الخارجية جبران باسيل ونظيره السوري وليد المعلّم، ليتسبّب بسلسلة من ردّات الفعل، المُؤيّدة منها والمُعارضة. وبرز خُصوصًا قول وزير الداخليّة والبلديات نُهاد المشنوق الذي غاب عن الوفد المُرافق لرئيس الجمهورية إلى باريس إحتجاجاً، إنّ لقاء باسيل ـ المعلّم «يُشكّل إعتداء سياسياً على موقع رئاسة الحُكومة»، ووصفه بأنّه «مُخالفة للتسوية السياسيّة وللبيان الوزاري الذي نصّ على النأي بالنفس»، مُشدداً على «أننا لن نقبل به في أي ظرف من الظروف وسنواجهه بكل الوسائل». وقد كرّر المشنوق أمس مضمون كلامه من دار الفتوى بالذات، بعد أن كان وزير الإعلام ملحم الرياشي قد لاقاه إلى الموقف نفسه خلال إجتماع ثنائي في وزارة الداخليّة. فما هي خلفيات لقاء «باسيل ـ المعلّم»، وهل من تحوّل في موقف «التيّار الوطني الحُرّ»، وكيف سيكون ردّ «تيّار المُستقبل» ومن معه؟

أوساط سياسيّة مُطلعة كشفت أنّ «حزب الله» و«حركة أمل» إتخذا قراراً مُشتركًا يقضي بإعادة العلاقات اللبنانيّة ـ السوريّة إلى سابق عهدها، وهما أبلغا جهات وشخصيّات سياسيّة وإعلاميّة محسوبة على قوى «8 آذار» بأنّ الأوان حان للإعلان عن طي صفحة الخُصومة مع سوريا، والتي حاولت بعض الأطراف اللبنانيّة جرّ لبنان إليها، تحت عناوين مُختلفة. وتوقّعت الأوساط أنّ تتواصل الزيارات التي يقوم بها وزراء في الحكومة اللبنانية إلى سوريا، وأن تتصاعد عمليّات «التطبيع العملاني» ـ إذا جاز التعبير، حيث أنّ القرار إتخذ بالإعلان عن كل الزيارات التي تتمّ إلى سوريا، وعدم القيام بها سرًّا بعد اليوم، وذلك بالتزامن مع تنفيذ حملة سياسيّة وإعلاميّة من جانب كل المحسوبين على «خط المُقاومة» رفضًا لأي مُقاطعة لسوريا بعد التطوّرات الميدانية التي حصلت هناك والمنطقة عُمومًا. وشدّدت الأوساط نفسها على أنّ لا رجوع عن قرار قوى «8 آذار» تنقية العلاقات اللبنانيّة ـ السوريّة، مهما بلغ سقف الإعتراضات من بعض القوى السياسيّة.

وبالنسبة إلى خلفيّات اللقاء الذي تمّ في نيويورك بين الوزيرين باسيل والمعلّم، على هامش إجتماعات الجمعيّة العُموميّة، كشفت الأوساط السياسيّة المُطلعة أنّه تمحور حول مصالح مُشتركة بين البلدين، لجهة التوافق على مُواجهة الإرهاب، وخُصوصًا لجهة العمل جديًا على حلّ ملفّ اللاجئين السوريّين إلى لبنان. وأضافت الأوساط أنّ «التيّار الوطني الحُرّ» قرّر فتح باب التواصل مع سوريا، ليس تحت عنوان تطبيع العلاقات كما هي حال قوى «8 آذار»، إنّما تحت عنوان مُعالجة المشاكل المُشتركة والتي تُهدّد مصالح البلدين، وفي طليعتها ملفّ اللاجئين السوريّين. وتابعت الأوساط نفسها أنّ «الوطني الحُرّ» قرّر العمل بقوّة وبجدّية كبيرة على خط إعادة النازحين السوريّين إلى بلادهم، وهو لن يألوا جهداً لذلك، ولقاء باسيل ـ المعلّم الأخير يدخل في هذا السياق، وهو تمّ بغطاء من جانب رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون الذي أخذ بدوره قرارًا بحلّ هذا الملفّ الذي حمله في زيارته الأخيرة إلى الولايات المتحدة الأميركية وإلى الأمم المتحدة، ويحمله معه حالياً في زيارته الرسميّة إلى فرنسا.

وشدّدت الأوساط السياسيّة المُطلعة على أنّ «التيّار الوطني الحُرّ» يختلف كلياً مع كل من «تيّار المُستقبل» وحزب «القوّات اللبنانيّة» بشأن سُبل معالجة ملفّ النازحين، حيث أنّ «الوطني الحُرّ» مع التواصل المُباشر مع المسؤولين السوريّين بهدف التوصّل إلى حلول منطقيّة لهذا الملف الذي صار يُهدّد لبنان على غير صعيد ديمغرافي وإقتصادي وحياتي وحتى أمني. وتوقّعت الأوساط نفسها أن يتصاعد قريبًا الإشتباك السياسي بين تيّاري «الوطني الحُرّ» و«المُستقبل» على خلفيّة الإختلاف بوجهات النظر بشأن سُبل حل ملفّ النازحين، حيث يرفض «التيّار الأزرق» أي تواصل مع سوريا بغضّ النظر عن مضمون هذا التواصل. في المُقابل، يعتبر «التيّار البُرتقالي» ـ بحسب الأوساط نفسها، أنّ حجّة مُقاطعة النظام السوري من جانب «التيّار الأزرق» تحوّلت إلى حجّة للتهرّب من مُعالجة هذا الملف الحيويّ الذي لم يعد من المُمكن تأخير مُعالجته، خاصة وأنّ الحلول الشاملة للمنطقة مُرشّحة لأن تُطرح على الطاولة في القريب العاجل.

ولفتت الأوساط السياسيّة المُطلعة إلى أنّه أمام إصرار قوى «8 آذار» على تطبيع العلاقات مع سوريا، وفي ظلّ قرار «التيار الوطني الحُرّ» فتح باب التواصل معها بهدف مُعالجة ملفّ النازحين السوريّين إلى لبنان، بات «تيّار المُستقبل» في وضع لا يُحسد عليه. وأوضحت أنّ «المُستقبل» الذي كان حرم الوزراء الذين قاموا بزيارة سوريا أخيراً من الصفة التمثيليّة الرسميّة بحجة أنّ لا غطاء حكومياً لزياراتهم وبالتالي لا صفة رسميّة لتعهدّاتهم، لا يُمكنه حرمان الوزير باسيل من الغطاء نفسه، لأنّ هذا الأخير هو وزير الخارجية، وبالتالي لديه صفة سياسيّة ودبلوماسية عالية، إضافة إلى كونه يستفيد من غطاء رئيس الجمهوريّة السياسي. ورأت الأوساط نفسها أنّ «المُستقبل» سيُصعّد مع حلفائه، وفي طليعتهم «القوّات»، سياسياً وإعلامياً في الأيّام والأسابيع القليلة المُقبلة، للإلتفاف على محاولات التطبيع، وهو سيحرص في تصعيده على التمييز بين النظام السوري والشعب السوري، حيث سيركّز على رفضه تعويم قيادات النظام الحاليّة، بالتزامن مع تأكيد حرصه على أفضل العلاقات مع الشعب السوري.

وتوقّعت الأوساط السياسيّة المُطلعة أن يتصاعد الإشتباك السياسي بين «المُستقبل» و«التيار الوطني الحرّ» بشأن هذا الملف، وبين مُجمل مُؤيّدي ومُعارضي التواصل مع القيادات السوريّة الرسميّة، وذلك ما أن يتمّ إمتصاص إرتدادات قرار المجلس الدستوري إبطال قانون الضرائب، ومعالجة ذيوله. وأضافت الأوساط أنّ هذا الملف شعبوي بامتياز، وهو يُبنى عليه في شدّ همم الأنصار عشيّة الإنتخابات النيابيّة، ما يؤكّد حتميّة بقائه على نار حامية في الأشهر المقبلة الفاصلة عن موعد الإنتخابات.

تابعوا آخر أخبار "Radar Scoop" عبر Google News، اضغط هنا

ناجي سمير البستاني | الديار

2017 -

أيلول -