في الشوف – عاليه: 'حزب الله' حصّن المختارة وأنقذ جنبلاط

رادار سكوب

2018 -

أيار -

محمد الجنون

لم تأتِ نتيجة الإنتخابات النيابية في دائرة جبل لبنان الرابعة (الشوف – عاليه) مخالفةً للتوقعات، التي رسمت قبل السابع من أيار. المقاعد الـ9 التي فازت بها لائحة "المصالحة" من أصل 13 مقعداً، كانت مضمونة بشكلٍ كبير، والأمر نفسه للمقاعد الـ4 التي فازت بها لائحة "ضمانة الجبل". ومع أنَّ هذه النتيجة كانت محسومة قبل الإنتخابات، فإنَّ دائرة الشوف – عاليه شكلت مدخلاً أساساً لتثبيت التوازنات السياسية في الجبل، التي كانت مهددة بالإنهيار. وحكماً، فإن جنبلاط كان يستشعر الخطر على زعامته وزعامة نجله تيمور، وما قصده عن "تطويق المختارة" كان يصب بإتجاه الخطر الذي شكله الوزير السابق وئام وهاب عليه من جهة، واللواء علي الحاج من جهة أخرى.

هاجس جنبلاط كان كبيراً، ورغم التنافس الحاد بينه وبين الوزير طلال ارسلان، فإن الإتفاق الذي حصل قبل أيام من الإنتخابات غيَّر كل شيء، واستنفر الخصوم قبل الحلفاء، وما بينته المعطيات هو أنَّ من فكَّ الطوق عن المختارة هو الثنائي الشيعي: "حزب الله" و"حركة أمل".

تكشف المصادر المطلعة أنه في الأسبوع الأخير قبل الإنتخابات، تكثفت الإتصالات بين قيادتي "الإشتراكي" و"أمل" لإقناع "حزب الله" بتجيير جزء من الأصوات للائحة المصالحة. وبالفعل، توصلت الإتصالات إلى إقناع قيادة "حزب الله" في الشوف بذلك، والإقتراع لعدد من مرشحي "الإشتراكي"، الأمر الذي أعطى جنبلاط إمكانية الفوز بحاصل إنتخابي إضافي.

تكشف المصادر أنَّ "رئيس مجلس النواب نبيه بري، وبطلب من جنبلاط، أوعز إلى قيادة حركة "أمل" في الشوف، بالتصويت للائحة "المصالحة" وتحديداً لمرشح جنبلاط عن المقعد السني بلال عبد الله، لقطع الطريق على المرشح عن المقعد نفسه اللواء علي الحاج، وهذا ما شرحه جنبلاط لبري". وبحسب المصادر، فإنَّ "إتصالاتٍ عديدة جرت بين قيادتي "أمل" و"حزب الله للإتفاق على تجيير الأصوات في الشوف باتجاه لائحة "المصالحة"، وإعطاء جزء بسيط من الأصوات للائحة ضمانة الجبل باستثناء اللواء علي الحاج لحفظ العلاقة مع ارسلان و"التيار الوطني الحر"، باعتبار أن خسارة لائحة "المصالحة" لمقاعد كثيرة وخصوصاً لمرشح جنبلاط عن المقعد السني قد يهدد زعامة الأخير، وهذا ما رفضه بري واستدعى تحركه شخصياً".

ما أفرزته نتائج المعركة الإنتخابية كان بادياً وواضحاً، وكشفت حجم كل جهةٍ سياسية. في الأرقام، فإنَّ لائحة "المصالحة" حصدت 98967 صوتاً، بينما لائحة "ضمانة الجبل" حصدت 39027 صوتاً. وتبعاً للأصوات التي حصلت عليها كل لائحة، فإنَّ "المصالحة" حصدت حوالى 43500 صوتاً من الطائفة الدرزية بين الشوف وعاليه من أصل 129542 ناخباً من الطائفة نفسها، أي بنسبة 33.5% من أصوات الدروز.

عملياً، فإنَّ هذا الرقم أتى مناقضاً للتوقعات التي رسمها جنبلاط بشأن كثافة الصوت الدرزي الذي يشكل رافعةً لزعامة تيمور جنبلاط في الجبل. في حسابات زعيم "الإشتراكي"، فإنَّ سقوط مروان حماده يعتبر سقوطاً له من جهة، وسقوطاً لتيمور من جهةٍ أخرى. إلا أنّ ما أنقذ جنبلاط هو 300 صوت، خسرتهم لائحة "الوحدة الوطنية" التي رأسها وهاب، وإلاَّ فإن الأخير كان سيتربع على المقعد الدرزي الثاني بدلاً من حماده. وبحسب نتائج الفرز في لجان القيد العليا في بيت الدين، فإنَّ "لائحة الوحدة الوطنية كادت تخرق لائحة المصالحة بمقعد، وقد حصل وهاب على نسبة أصواتٍ أعلى من حماده في الشوف". تشير مصادر وهاب إلى أنّه "كان من المفترض أن يجيَّر قسم من أصوات حزب الله باتجاه لائحة الوحدة الوطنية، وقد تمَّ إعلام اللائحة بذلك خلال الأسبوع الأخير الذي سبق الإنتخابات، لكن ذلك لم يحدث عملياً، الأمر الذي أحدث فرقاً في النتيجة". وتلفت المصادر أنَّ "الإتصالات تكثفت في آخر 24 ساعة قبل الإنتخابات، وتغيرت الكثير من الأمور"، موضحةً أنَّ "أصوات سرايا المقاومة في الشوف صبَّت للائحة ضمانة الجبل".

ومع تحرك "حزب الله" وحركة "أمل" باتجاه دعم لائحة "المصالحة" وتحديداً مرشحي النائب وليد جنبلاط، فإنَّ الدعم الذي أبدته الجماعة الإسلامية في الشوف كان له وقعٌ كبير وخاص، في رفع أسهم نجاح المرشح عن المقعد السني ضمن "المصالحة" بلال عبد الله. وإنطلاقاً من أزمة تمثيل برجا، فإنَّ عدد الأصوات التي حصل عليها عبد الله في برجا كشفت حجم الحزب التقدمي الإشتراكي الإنتخابي. وتبعاً للأرقام التي صدرت من أقلام الإقتراع، فإنَّ عبد الله حاز على 919 صوتاً من برجا فقط، توزعت بين أصوات "الإشتراكي" وأصوات "الجماعة الإسلامية". ومع ذلك، فإنَّ الأصوات التي حصل عليها عبدالله في الشوف، والتي بلغت 8492 صوتاً، كشفت الحجم الإنتخابي لـ"الإشتراكي" في الشوف أيضاً، والذي بينته الأرقام بأنه لا يتخطى الـ4500 صوتاً، وما شكل رافعة لعبدالله، هو أصوات الجماعة وأصوات حركة "أمل" من مختلف مناطق إقليم الخروب.
عملية تجيير الأصوات التي حصلت بين "حزب الله" و حركة "أمل" والجماعة الإسلامية باتجاه لائحة "المصالحة"، أخرجت الحاج من السباق الإنتخابي. وقد كشفت النتيجة النهائية أن الأخير حاز 3374 صوتاً في الشوف، أغلب هذه الأصوات من برجا حصراً. وبينت محاضر فرز الأقلام في بيت الدين، أنَّ "الحاج لم يحصل إلاَّ على 900 صوت من كل قضاء الشوف، بما فيهم أصوات من المغتربين والموظفين". أما في المناطق الشيعية الأساسية في إقليم الخروب، فإنَّ "الحاج لم يحصل إلاَّ على بضع أصواتٍ من كل منطقة، وتحديداً في الوردانية التي حصل الحاج على 22 صوتاً منها، وفي جون على 6 أصوات فقط".

على صعيد تيار "المستقبل"، فإنَّ نتائج الإنتخابات أتت مطابقةً للواقع بشكل كبير، وكان محسوماً نجاح النائب محمد الحجار الذي حصل على 10003 صوتاً من الشوف (2502 صوتاً من برجا فقط). أمَّا في ما خصَّ الوزير غطاس خوري، فإنَّ خسارته كانت متوقعة، وهذا يعود إلى وجود قوة مسيحية لدى "القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحر"، إستطاعت تجيير الأصوات باتجاه مرشحيها. وبذلك، فإنَّ النائب وليد جنبلاط، استنجد فعلاً بخصومه، عمد إلى ضمان نجله تيمور، وتحصين وضعية حماده ، وبلال عبد الله من علي الحاج. ومع ذلك، فقد كشفت المعطيات أنَّ جنبلاط لم يعطِ مرشحه عن المقعد الماروني ناجي البستاني أي زخم إنتخابي، وهو استفاد منه عددياً لرفع الحاصل الإنتخابي للائحة.
إذاً، فإنَّ ما حصل في كواليس "اللعبة الإنتخابية" كان هدفه الحفاظ على المصالح السياسية لمختلف الأطراف السياسية من جهة، وعدم السماح بالمساس بزعامة جنبلاط من جهة أخرى، والتي يشكل ضربها بدايةً أكيدة لصراعٍ كبير في الجبل والشوف.

تابعوا آخر أخبار "Radar Scoop" عبر Google News، اضغط هنا