تعتيم إعلاميّ ومشاهد عنفيّة مريعة... بربّكم ما الّذي يجري؟!

رادار سكوب

2020 -

كانون الثاني -

د. جويل رمزي فضّول _ رادار سكوب

ما بين السّجالات والعنتريّات، ما بين نار الغضب وفقدان الانضباط، يثور المواطنون... يثورون بوجه سلطة أوصلتهم إلى هذه المرحلة، يثورون من أجل لقمة عيش خسروا كرامتهم للحصول عليها، إلّا أنّ تعنّت المسؤولين في بلادنا، وتشبّثهم بكراسيهم على حساب لقمة عيش كلّ منّا، أوصلنا إلى ما نحن عليه. والسّؤال الّذي يطرح نفسه: ما ذنب هذا الموظّف في المصارف؟ ما الجريمة الّتي ارتكبها وحاله أشبه بحال معظم اللّبنانيّين وخصوصًا أنّه يعاني أيضًا ضغطًا نفسيًّا مباشرًا، أمام كلّ مريض تدمع عيناه مُحاوِلًا المستحيل لسحب مالٍ بهدف تأمين حبّة الدّواء، أمام كلّ أبٍ يُذَلّ ويتخبّط أرضًا من أجل تأمين أقلّ حصّة ماليّة كي يؤمّن حاجات عائلته، أمام كلّ أرملة تذرف دموع اللّوعة والقهر مُستنجدة من أمامها لتُطعم أولادها!؟ باللّه عليكم، يكفيهم شرّ مسؤولين نهبوا جيوبنا وجيوبهم أيضًا، يكفيهم شرّ سلطة نصبت فخّ المواجهة بين مواطنيها. باللّه عليكم يا ثوّار صوّبوا البوصلة، واهرعوا إلى أصحاب هذه المصارف، ثوروا في وجه الحكّام لا في وجه مواطنين أبرياء.

تُكسّر المؤسّسات، تحطّم المتاجر، تقفل الطّرقات، إلّا أنّ حاشية ناهبي البلاد تصول وتجول، تحاوِل المستحيل لخرق صفوف المواطنين الثّائرين! وما نراه يوميًّا يثبّت لنا أكثر وأكثر أنّ قبضة الثّورة تحتاج إلى قوّة وصمود، إلى نفس وعزم، ذكاء وحكمة! نيران الغضب تحتاج إلى مَن يذكي ألسنتها ولهيبها بالتّعاون، بوجه كل من يريد إخماد هذه الشّعلة، بوجه كلّ من يريد بَتْر أصابع هذه القبضة! ونحن نرى، ولأكثر من مرّة كيف أنّ القوى الأمنيّة تستفرد بالمواطنين ما إن تُطفأ كاميرات المُراسلين! ونحن نرى، ولأكثر من مرّة كيف أنّ الجيش اللّبنانيّ يحشد صفوفه وكأنّه في معركة في جرود عرسال بوجه إرهابيّين، ناسيًا أنّ هؤلاء الإرهابيين هم مواطنون يُطالبون بلقمة عيشه أيضًا، متناسيًا أنّ الثّوّار هم لبنانيّون عليه أن يحميهم قبل أن يحميَ أرضهم. ما نراه ما عادَ مقبولًا أبدًا، هذا الهجوم العسكريّ في مناطِق دون سواها، هذا الرّشق تجاه القوى الأمنيّة دون محاسبة، يطرح علامات استفهام كثيرة! بربّك يا جيش بلادي كُن عادِلًا، ولا تميّز بين شارع وآخر، بربّك صوّب بوصلة عصيّك وأسلحتك، حارِب الإرهابيّين بهذا الشّكل وليس أولاد وطنك، إدعس على رقاب الأعداء وليس على رقاب مواطنين عزّل يحترمونك ويجلّونك!

وكأنّه لا يكفينا كلّ ما نعانيه، نحن الّذين نقبع أمام شاشات التّلفزة ما إن يصلنا خبر لتحرّك قويّ للثّوّار أو لاعتداء على من يُطالبون بأدنى الحقوق. ما رأيناه أمس وما تعرّضت له الزّميلة جويس عقيقي أو مصوّر قناة الجديد، أكبر دليل على الضّغط الّذي يعانيه المُراسلون والمصوّرون في السّاحات والطّرقات. فطَعن صوت أحد أفراد الجيش قلبنا باتّهامه وسائل الإعلام بخراب البلد، وبمنع أفراده الأخرى من تصوير ما الّذي يحصل فعلًا على الأرض، والمؤلم المحزن هو ما إن تبدأ هذه الكاميرات بالتّوقف عن التّصوير لترى أمامك أسوأ صورة من صور العنف الّتي لا تليق أبدًا ببلاد الأرز! وهنا أيضًا السّؤال يطرح نفسه، لِمَ هذا التّعتيم الإعلاميّ؟ لِمَ عدم تمكّن المحطّات مِن مواكبة فعلًا ما يحصل على الأرض، ولِمَ توجيه كلّ هذه التّهديدات لها؟ ولِمراسليها؟! أو أنّ مخاطِر الثّورة هي كبيرة جدًّا لدرجة أنّه ما عاد يُسمح للمشاهدين من زرع الأمَل في نفوسهم، ولا عادَ يُسمح لهم بمشاهدة كلّ هذا القمع لأنّ المشاهد لا يحتملها الرّاشدون؟! ما الّذي يجري؟! ولِم كلّ هذا الخوف؟! أملنا أنّه ما زال في لبنان إعلام حرّ، إعلام يتمتّع بعض مراسليه بالشّفافيّة، دعوهم ينقلون الصّورة لنا كما هي، دعونا نرى فعلًا ما الّذي يحصل، أَوَلا يحقّ لنا ونحن في سنة 2020 أن نرى الصّورة شفّافة لمرحلة ستُكتب أحداثها لا محال في كتب التّاريخ؟! صوّبوا بوصلة قنواتكم، صوّبوا بوصلة بثّكم المُباشر ولا تخافوا، صوّبوها ودعونا نأمَل بلبنان نحلم به جميعًا، أو ما يحقّ لنا أن نحلم أيضًا؟!

صوّبوا بوصلتكم، صوّبوها جميعًا! ثوروا ولا تخافوا، ثوروا إكرامًا لكلّ من يشدّ على أياديكم، ثوروا فالوضع ما عاد يحتمل العودة إلى الوراء، ثوروا واكسروا سلاسل الخوف، حطّموها وارموها في وجه كلّ من يتشبّث بمقعده، ثوروا ولا تستكينوا إلى أن تُطهَّرَ البلاد من مجرمين يحاولون أن يسرقوا منّا الأمل والكرامة، ثوروا لكن لا تحطّموا أمل مواطنين أبرياء يتّكلون عليكم، لا تحطّموا أمل موظّفين تكادُ تُنهك قواهم وتُفقد لقمة عيشهم!

ثوروا إكرامًا للبنان!

ثوروا إكرامًا لكلّ قلب يؤمن بلبنان!

تابعوا آخر أخبار "Radar Scoop" عبر Google News، اضغط هنا